خمسون بالمئة -أو أقل- من كفاءة الإنسان

خمسون بالمئة -أو أقل- من كفاءة الإنسان

لماذا أكرر نفسي؟ يترامى إلى ذهني التساؤل وأنا حتى لا أعرف ماذا يعني أن يكرر الواحد نفسه. لربما يعني ذلك أنني أتبع نفس نمط الأخطاء، أسير لما يؤذيني كل مرة، وأنا أدرك أنه يؤذيني.

في صباحٍ ما، أدركت أن كفاءتي الإنسانية ناقصة، ليس لأمر التكرار هذا، ولكن لأنني لا أقدر على فعل كل ما أريده بالكيفية التي أريدها. لدي جسد معلول، وعقل طموح، والكفاءة تستلزم تآزر الاثنين دون أن يعتمد إحداهما على الآخر. وكنت أظن في صغري، أن هناك طرقًا أخرى للكفاءة الكاملة، وأنه لا يتوجب على الإنسان سوى أن يحسن ما بين يديه، سواء قَوَت يداه على حمل جبلٍ، أو لم تسع إلا عصفورًا عريجًا.

جارتنا في الشارع المقابل، ذات كفاءة ناقصة أيضًا، ذلك أنها تجاوزت الثلاثين من العمر وبعدُ لم تتزوج، ومهما فعلت، فإنها حين تسير في الشارع لن تكون تلك الفتاة التي فعلت شيئًا فقط، بل ستكون الفتاة التي فعلت شيئًا، لكن يا للأسف، إنها لم تتزوج.

بائع الجرائد دمث الخلق والذي يلازم بقعةً واحدة كل يوم، يوزع جرائده على الطاولة الخشبية أمامه، لم تعطه الدنيا أكثر من بقعته تلك، أو هكذا على الأقل تكون صورته لمن حوله، لذا هو ليس كفءً بما تقتضيه الحاجة، ربما بنسبة ثلاثون بالمئة، أربعون، لكن ليس أكثر. وحين يتخفف من جرائده كل يوم نحو البيت، يظل مثقلًا بنقصان الكفاءة حتى الصباح التالي، ويفكر أنه ربما لو تودد قليلًا لزبائنه لزاده ذلك قليلًا على الميزان البشري.

الأم التي تصيح طوال اليوم في أبنائها في السوق وتنعتهم بألفاظ نابية، كانت طوال عمرها الشخص الأكثر تأدبًا في الجلسة، وربما رأت الحياة أن ذلك يجعلها كفؤة أكثر من اللازم، فجلبت لها داءً نفسيًّا تلفظ به من كفاءة أطفالها كذلك.

إنني لا أكرر نفسي عن قصد، الآن أعرف ذلك على وجه اليقين، إن هذا بالتأكيد ما تستلزمه قلة الكفاءة! الخمسون بالمئة خاصتي لا يساعدوني على فعل الكثير من الجديد، إنني حتى لا أجد جدوى من البحث عن أخطاءٍ غير مملة، لكن ما عساي أن أفعل؟ أمر الكفاءة هذا مبروم، إنه يشبه الندبة التي خلفها جرح عميق، مهما عفا عليها الزمن، ستظل محسوسةً ومرئية.

تسحب مني علتي كل يوم المزيد من الكفاءة الإنسانية، ومنذ الصباح الذي أدركت فيه أنني بالكاد أستحق خمسين بالمئة، ظلت النقاط الباقية تتساقط مني، مرة مع الصداع النصفي، ومرة من آلام المفاصل، ومرة من فقدان الشهية وخسارة الكثير من الوزن، لتبدو الهالات حول عيني أعمق، فلا أصبح فقط منقوصة الكفاءة، لكنني أصدِّر تلك الصورة عني، وكأن تعريفي الوحيد لنفسي أمام الناس: "مرحبًا.. لدي اسمٌ ما، وخمسون بالمئة من كفاءة الإنسان، وأنت؟".