عرض كتاب (ثنائيو اللغة): كيف تؤثر التعددية اللغوية في حياتنا؟

عرض كتاب (ثنائيو اللغة): كيف تؤثر التعددية اللغوية في حياتنا؟

تفرض متطلبات الواقع أن يستخدم أفراد كثر لغات متعددة بشكل يومي، أو حتى يعرفونها فقط. وفي غالبية المدارس فإن هناك لغة ثانية تدرس بدءً من صف معين بشكل إجباري، لكن متى نطلق على الفرد أنه ثنائي اللغة؟ وماذا يعني ذلك؟

يعد هذا الكتاب، "ثنائيو اللغة"، والمترجم للعربية في 289 صفحة عن مؤسسة هنداوي، مدخلًا مناسبًا لمن يود تكوين فكرة مبدئية عن الوضع اللغوي والثقافي والاجتماعي للأشخاص ثنائيي اللغة، أطفالًا كانوا أم بالغين. 

يأتي الكتاب مقسمًا لقسمين، حيث يناقش القسم الأول "البالغين ثنائيي اللغة" في ثلاثة عشر فصلًا، وتقع الستة فصول الباقية ضمن القسم الثاني الذي يبحث في "الأطفال ثنائيي اللغة"، ويعتبر الجزء الخاص بالأطفال أكثر إثارة للجدل بالنسبة لي، فلم أر الكاتب استوفاه بذكر دلائل الحقائق، لكنه مع ذلك ألقى الضوء بشكل مبسط على ظاهرة الثنائية اللغوية في الأطفال وتأثيرها عليهم في جوانب حياتية مختلفة. 

في تعريف الأشخاص ثنائيي اللغة؛ يقول الكاتب أنهم: "الأشخاص الذين يستخدمون لغتين (أو لهجتين) أو أكثر في حياتهم اليومية". كما أن هذا التعريف -كما يرى جروجون- لا يشمل القدرة على استخدام اللغة أو الطلاقة فيها ولكن يُقصد به الاستعمال المنتظم باللغة، ويندرج تحته اللهجات كذلك لا اللغات فقط، فالأشخاص الذين يستعملون لهجات مختلفة في حياتهم اليومية هم ثنائيو اللغة. 

يبدي الكاتب في مقدمة الكتاب تعجبه ودهشته من الأشخاص العاديين الذين يتنقلون بين لغة وأخرى في حديثهم مع الآخرين بسلاسة شديدة، ويشير إلى أن الثنائية اللغوية متواجدة في كل دول العالم، حيث أن نحو نصف سكان العالم أو أكثر هم ثنائيو اللغة! 

القسم الأول: عن الثنائية اللغوية في الأفراد البالغين

(1) لماذا يصبح الإنسان ثنائي اللغة؟ 

وفق موقع "إثنولوج: لغات العالم" في 2006، فهناك ما يقرب من 7 آلاف لغة في العالم، 516 منها شبه منقرض، يقع الجزء الأكبر منها والمقدر بـ2269 لغة في آسيا. مع وجود هذا القدر من اللغات، ووجود حتميّة التواصل بين البشر، تنشأ الثنائية اللغوية. يعتبر هذا هو السبب الرئيس لكون بعض الناس يستخدمون أكثر من لغة، بالإضافة إلى البنية اللغوية للدولة، فعندما يكون التوزيع اللغوي داخل الدولة قائمًا على أساس جغرافي تقل فرص التواصل بعكس ما إذا كانت كل المجموعات اللغوية تتواجد في منطقة واحدة. 

أيضًا؛ حركة الشعوب تعد سبب بديهيًّا للثنائية اللغوية، سواء كانت لأسباب سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهذه الشعوب المتنقلة يتحتم عليها التأثر اللغوي أو التأثير في بيئتها الجديدة. من الأسباب الأخرى للثنائية اللغوية: العائلات ثنائية اللغة، والمِهن والصَّمَم. 

(2) وصف الأشخاص ثنائيي اللغة 

يؤكد الكاتب في هذا الفصل أنه لكي تكون ثنائي اللغة، فإن هذا لا يتطلب منك معرفةً متساوية بكافة اللغات التي تعرفها، أو أن تكون اكتسبت هذه اللغات في طفولتك، ولكن كلما ازدادت اللغات التي تتحدثها كلما قلّت معايير الطلاقة والاستخدام اليومي بالنسبة للغات التي اكتسبتها مؤخرًا. 

(3) وظائف اللغات 

يلجأ الأشخاص ثنائيو اللغة إلى اللغات المختلفة بشكل متكامل في حياتهم اليومية، فهناك بعض الأماكن التي يكون عليهم التحدث فيها بلغة معينة، وفي المنزل يميلون إلى لغة أخرى، وفي العمل ربما إلى لغة ثالثة. وتتأثر طلاقة الفرد ثنائي اللغة في كل لغة يتحدثها بحسب عدد المجالات أو الأماكن التي تتطلب منه استخدام هذه اللغة، فإذا كانت هناك لغة يستخدمها أكثر ستؤثر على طلاقته في بقية اللغات التي تشكل دائرة ثنائيته اللغوية. فكرة التكامل في الثنائية اللغوية تشير إلى نقطة هامّة وهي أن الأشخاص ثنائيو اللغة ليسوا مترجمين، فمهارات الترجمة أمر منفصل بذاته عن كون الفرد يستطيع تكفّل أمر المعاملات اليومية بلغات مختلفة. 

تؤثر فكرة التكامل أيضًا في أمر طريفٍ للغاية، وهي أن الفرد ثنائي اللغة يمتلك قدرة أكبر على تذكر موقف ما عندما يحاول التذكر بنفس اللغة التي كان يستعملها عند حدوث هذا الموقف، وبالتالي فإنه سيمتلك ذاكرة أفضل عندما يرتبط الأمر باللغة التي يستعملها في مجالات أكثر. 

(4) الوضع اللغوي واختيار اللغة 

الوضع اللغوي ببساطة هو اللغة التي يفرضها موقف ما على المتحدث، وبما أن هناك لأي فرد في العالم لغة رئيسة، فإن هذه اللغة تعتبر هي اللغة التي يسأل بها نفسه قبل بدء الحديث: بأي لغة عليّ أن أتحدث؟ وإن كان الأمر يحدث بشكل فطري وبدون تفكير سريع. اللغة الرئيسة ليست بالضرورة هي اللغة الأم للفرد. 

(5) التبديل اللغوي والاقتباس 

يتحدث هذا الفصل عن ظاهرتين ملاصقتين للأشخاص ثنائيي اللغة، الظاهرة الأولى هي "التبديل اللغوي" وهي أن يكون هناك لغة أساسية تسيطر على الحديث، لكن يلجأ الفرد فجأة إلى لغة أخرى ليعبر بها عن فكرة ما. أما الظاهرة الأخرى وهي "الاقتباس" فهي عكس التبديل اللغوي، وهي أن يقتبس الفرد تعبيرًا في لغة أخرى، ويحاكيه صرفيا وصوتيا مع اللغة المستخدمة أصلًا في الحديث. 

(6) التحدث والكتابة بلغة واحدة 

يشير الكاتب هنا أنه عندما يحتاج الأشخاص ثنائيو اللغة إلى التحدث أو الكتابة بلغة واحدة فإنه يتوجب عليهم تعطيل اللغات الأخرى التي يعرفونها، وهذه ليست عملية سهلة على الإطلاق، ويوضح أنه حتى مع محاولاتهم الحثيثة، ستجد تداخلات من لغات أخرى في حديثهم، ولو كانت تداخلات ثقافية. 

(7) امتلاك لكنة في أحد اللغات 

من الخرافات المنتشرة بين الناس؛ أن ثنائيي اللغة لا يجب أن تكون هناك لكنة في حديثهم بأي من اللغات التي يستخدمونها، وهذا غير صحيح لأن اللكنة لا ترتبط بالضرورة بكثرة الاستخدام أو بالطلاقة أو اللغوية، وإنما هي ترجع بالأساس إلى كيفية تعلمه اللغة أول مرة، وإلى تأثير اللغة الأولى على الثانية. كما أن وجود اللكنة هو أمر إيجابي وسلبي في نفس الوقت، فبينما قد يكون معبرًا عن هوية المرء، فإنه قد يكون سببًا لإقصائه عن المجتمع الذي يعيش فيه. 

(8) تطور اللغات عند الشخص الثنائي اللغة على مدى حياته 

يتحدث الكاتب هنا عن العوامل المؤثرة في اللغات التي يمتلكها ثنائي اللغة مع مرور اللغة مثل النسيان أو الاضمحلال، كما يوضح أن كبار السن من ثنائيي اللغة تكون لديهم قدرات معرفية أكبر من أقرانهم أحاديي اللغة. 

(9) المواقف والمشاعر تجاه الثنائية اللغوية 

يعرض الكاتب في هذا الفصل وجهات نظر الأشخاص ثنائيي اللغة أنفسهم تجاه ثنائية اللغة من ناحية الإيجابيات التي تتمثل في القدرة على التواصل وفهم الثقافات المختلفة أو السلبيات والتي تتمثل في اضطرارهم أحيانًا إلى استخدام لغة لا يجيدونها بشكل تام، ومن ناحية الأشخاص أحاديي اللغة والتي تعد نظرتهم غير موضوعية في الغالب بل تعتمد على العاطفة وتنظر لثنائيي اللغة إما بأنهم أبطال خارقون أو بأنهم لا يمتلكون هوية واضحة تعبر عنهم. 

(10) الثنائية الثقافية عن الأشخاص ثنائيي اللغة 

يؤكد الكاتب أنه ليس كل ثنائي لغة هو ثنائي ثقافة، وأن ثنائية الثقافة هي اختيار فردي قد يحدث أو لا يحدث، وعندها ينتظر هؤلاء الأشخاص من المجتمع أن يتقبلهم وألا يصنفهم وفقًا لتصرفاتهم المختلفة. 

وقد يشير هذا التنبيه إلى نقطة محورية عند مناقشة "اضطرابات الهوية" التي يزعم البعض أنها تنشأ نتيجة لاكتساب أكثر من لغة، فالأمر لا يقتصر على مجرد "اكتساب اللغة" للتأثر بثقافة ما، وإنما مدار الأمر على الانتباه إلى مدى انغماس الفرد في المدلولات الثقافية المختلفة التي يتعرض لها بحكم تعرضه للغةٍ ما تخالف هويته أو ثقافته الأصلية. 

(11) شخصية الأشخاص ثنائيي اللغة وأفكارهم وأحلامهم ومشاعرهم 

يرى الكاتب أنه لا يجب أن يمتلك الأشخاص ثنائيو اللغة شخصية مركّبة أو منفصمة كما يعتقد بعض الناس، كما أنه من ناحية التعبير عن المشاعر، فلا يلزم تعبيرهم عنها باللغة الأم، وإنما يكتسبون مرونة في التعبير عن غيرهم من أحادي اللغة. 

(12) الكتّاب ثنائيي اللغة 

قد تكون الكتابة هي أصعب المهارات المعرفية التي يكتسبها الإنسان؛ فماذا عن الكتاب الذين يعرفون ويستخدمون أكثر من لغة؟ 

في هذا الفصل يستعرض جروجون تجارب مختلفة لكتاب آثروا أن يكتبوا أعمالهم الأدبية بغير لغاتهم الأصلية، مشيرًا إلى كون هذا نوعًا متفردًا من الأشخاص الموجودين في العالم. وفي هذا السياق الذي لم يستفض فيه الكاتب رغم شاعريته، يجدر الإشارة إلى كتاب "عبقرية اللغة" الذي يسرد حكايات بأقلام أصحابها الكتّاب المشهورين، الذين على غير العادة، يأتي أدبهم لنا بغير اللسان الأم. 

(13) ثنائيو اللغة المميزون 

يعتبر الناس بشكل ما أن كل من يتحدث أكثر من لغة هو شخص مميز، وعلى الرغم من أن هذا لا يجانبه الصواب بشكل كامل، إلا أن حالة التميز في الثنائية اللغوية تتفرد عن مجرد تحدث أكثر من لغة. يشير الكاتب في الفصل الأخير من القسم الأول إلى الأشخاص ثنائيي اللغة المميزين، مثل المترجمين ومعلمي اللغات الثانية والعملاء السريين والأشخاص الذين كانت ثنائيتهم اللغوية سببًا في شهرتهم. 

القسم الثاني: حول الأطفال ثنائيي اللغة 

يختلف اكتساب لغة، أو أي شيء آخر، في الأطفال عن البالغين. وذلك لأن عمق الأثر في الأطفال أكبر، فهو ينحت فيهم شيئًا سيصاحبهم حتى الكبر بكافة آثاره مع عدم الإمكان تغييره بسهولة.

(14) اكتساب الثنائية اللغوية والتحول عنها 

يرى جروجون أنه يكفي أن يتعرض الطفل إلى لغة أخرى حتى يكتسبها، وكما أنه يستطيع اكتساب الثنائية اللغوية بسهولة إلى أنه يستطيع أن ينفصل عنها بسهولة كذلك، ويعتمد هذا على عوامل مختلفة منها مقدار المدخلات، ونوعها، ودور الأسرة، ودور المدرسة والمجتمع، والمواقف التي يتعرض لها الطفل. أيضًا يزيح الكاتب الغمام عن الفكرة المُتداولة بأن الطفل لكي يكون ثنائي اللغة على أسرته في المنزل أن تتعامل معه بنفس اللغة التي يحاول اكتسابها، فهذا غير صائب وليس من الضروري على الإطلاق. 

(15) اكتساب لغتين 

تنقسم مسألة الثنائية اللغوية في الأطفال إلى طريقتين، الثنائية المتزامنة، وهي أن يكتسب الطفل أكثر من لغة في آن واحد، كأن يكون كلا من والديه من جنسيات مختلفة، أو الثنائية المتتابعة، وهي أن يكتسب اللغات بالتوالي بعد أن يكون لديه لغة رئيسة أو أصلية. وفي كلا الحالتين، لا تؤثر طريقة الاكتساب على الطلاقة اللغوية للطفل، أو تؤخره في التعلم. كما أن اكتسابه اللغة في مرحلة مبكرة لا يؤثر كذلك على الطلاقة ولا يعني أنه سيتحدثها بجودة أكبر. 

(16) الجوانب اللغوية للثنائية اللغوية لدى الأطفال 

تسود لغة واحدة عند الأطفال ثنائيي اللغة، كما أنهم يمتلكون مهارات متفردة مثل الترجمة الشفوية أو الألعاب البلاغية باللغات، كما أنهم قد يخلطون بين اللغات المختلفة إلا أن هذا لا يستمر عادة حتى مرحلة متأخرة. 

(17) الأسرة والأطفال ثنائيو اللغة 

يتحدث الكاتب على الاستراتيجيات المختلفة التي يمكن أن يتبعها الأسر لإدخال الثنائية اللغوية لأطفالهم، مثل تخصيص وقت للغة، أو إدخال لغات جديدة في أعمار معينة. 

(18) تأثير الثنائية اللغوية على الأطفال 

يؤكد الكاتب أن الثنائية اللغوية لا تؤثر سلبًا على الأطفال، وأن صعوبات اللغة في الأطفال تتمثل في نسبة 10% سواء كانوا أحاديي اللغة أم ثنائيوها. 

(19) الثنائية اللغوية والتعليم 

ثمة بعض المدارس التي تضع الثنائية اللغوية هدفًا للتعليم، وهذه ستساعد الأطفال الذين جاءوا من لغات أخرى على اكتساب الثنائية اللغوية، بعكس المدارس التي لا تضع الثنائية اللغوية كهدف بل تسعى إلى دمج الأطفال مع أقرانهم بأقصى قدر ممكن. يناقش الكاتب كلا التوجهين مستدلًا ببعض القصص. 

نظرة شخصية حول الكتاب 

مما لا شك فيه أن الكتاب يعد فريدًا في جملة موضوعاته وخاصة مع عدم توافر الكثير من المصادر العربية حول الثنائية اللغوية، مع ذلك فإن الكاتب قد قفز في معظم الفصول دون استيفاء كامل الشرح حول الظواهر أو السمات التي ناقشها، وقد لا يكون ذلك مذمومًا وإنما بحسب غرض القارئ من الاطلاع عليه، لكنه في الجزء الخاص بالأطفال لم يكن مبررًا، لأن الثنائية اللغوية في الأطفال أكثر تعقيدًا وتتعدد سياقاتها عما حصرها فيه الكاتب في فصول قليلة.

يمكن تحميل الكتاب بشكل مجانٍ عبر موقع "هنداوي" من هنا. قراءة ماتعة!